بقلم/ طارق بدراوى
شيد هذه المجموعة السلطان الأشرف قنصوة الغورى خلال عام 909 هجرية وعام 910 هجرية الموافقين لعام 1503م وعام 1504م وهي مكونة من مسجد إلى جانب مدخله يوجد سبيل يعلوه كتاب وفي الخلف توجد خانقاة وإلي جوارها 3 منازل وتجتمع المجموعة كلها في واجهة واحدة متصلة تشرف على شارع الأزهر عند تلاقيه مع شارع المعز لدين الله الفاطمي وتلك المجموعة هي أعظم ماتركه السلطان الغورى من منشآت وتعد بحق أبدع وأجمل وأروع ماتركه لنا سلاطين دولة المماليك الجراكسة والسلطان الغورى كان في الأصل أحد مماليك السلطان المملوكي الأشرف قايتباى واستمر في خدمته حتي أعتقه وصار يتقلب في الوظائف حتي على قدره إلي أن تولي بعد ذلك حكم مصر عام 906 هجرية الموافق عام 1501م .
وكان السلطان الغورى شغوفا بالعمارة وفنونها ومحبا لها فقام بإنشاء الكثير من المباني الدينية والخيرية ولم يكن اهتمامه مقصورا فقط علي المنشآت التي تم تشييدها في عصره وعلي يديه بل تعدى ذلك إلى المنشآت التي قام بتشييدها أسلافه فقام بعمل إصلاحات وترميمات وتجديدات بها وكان على رأسها الجامع الأزهر الشريف وقد اقتدى به الأمراء في عصره فقاموا بإنشاء العديد من المنشآت والمباني التي مازالت باقية حتي الآن تنطق جميعها بازدهار العمارة والفنون في عصره ازدهارا عظيما وكان العصر المملوكي بحق هو العصر الذهبي للعمارة الإسلامية وفنونها في مصر واستمر ذلك العصر حوالي 260 سنة أى أكثر من قرنين ونصف القرن حيث بدأ حكم دولة المماليك لمصر في منتصف القرن الثالث عشر الميلادى على يد السلطان عز الدين أيبك التركماني بعد مقتل آخر السلاطين الأيوبيين توران شاه إبن السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب وكان علي سبيل المثال لا الحصر من أهم الآثار المملوكية في مصر غير مجموعة السلطان الغورى مجموعة السلطان قايتباى ومسجد السلطان المؤيد وعدد 3 مساجد للسلطان الأشرف برسباى ومجموعة السلطان حسن بالقاهرة وقلعة قايتباى بالإسكندرية غير عدد كبير من الأسبلة والخانقهات والوكالات والمدارس والكتاتيب والمنازل الأثرية .
ويعد مسجد السلطان الغورى أهم مافي هذه المجموعة وهو يقع في منطقة الغورية عند تلاقي شارع الأزهر مع شارع المعز لدين الله الفاطمي بالقاهرة وقد تم تخطيطه على طراز نظام التخطيط المتعامد فهو يتكون من صحن مكشوف مربع الشكل تقريبا حيث يبلغ طوله 12 متر وعرضه 11 متر وتتعامد عليه وتحيط به 4 ايوانات من جهاته الأربع كل منها به عدد من العقود فوقها شريط مكتوب عليه آيات قرآنية بالخط المملوكي ويعلوه ازار من المقرنصات جميلة الشكل والايوانات الأربعة أكبرها إيوان القبلة وبه المحراب والمنبر والايوان الموازى له بينما نجد الايوانان الجانبيان أصغر منهما ويحيط بداير الصحن صفوف من الدلايات الخشبية المذهبة ويحيط بجدران الايوانات الأربعة وزرة من الرخام الملون تنتهي من أعلى بشريط رخامي مكتوب عليه بالخط الكوفي آيات قرآنية وتاريخ بناء المسجد .
ويتوسط صدر ايوان القبلة محراب من الرخام الملون وبجواره يوجد منبر خشبي دقيق الصنع به حشوات من السن المدقوق بالأويمة وتتخللها حشوات صغيرة مدعمة بالزرنشان وأرضية المسجد تم تبليطها برخام ملون ومقسمة بتقاسيم بديعة وسقف المسجد مقسم إلى ترابيع منقوشة ومذهبة وأسفله مباشرة يوجد ازار عليه كتابات مذهبة وبأركانه مقرنصات بديعة المنظر وفي مؤخرة الإيوان الغربي وفي مواجهة المحراب مباشرة تجد دكة المبلغ ويحملها عدد 2 كابولي خشبي ومكتوب عليها إسم السلطان الغورى وألقابه وأدعية له وللدكة درابزين خشبي مقسم من أسفل إلى حشوات بعضها مطعم بالسن والأبنوس وبعضها عبارة عن خرط خشبي دقيق …..
وللمسجد 3 واجهات أهمها الواجهة الشرقية التي تطل علي شارع المعز لدين الله وبوسطها المدخل وبها 3 صفوف من الشبابيك يعلوها شريط مكتوب عليه أية قرآنية ثم إسم السلطان الغورى وألقابه وأدعية له أيضا وتتوج الواجهة شرفات محلاة بزخارف محفورة في الحجر وصدر المدخل محلي بتلابيس من الرخام الأبيض والأسود وهو علي هيئة عقد ذو 3 فصوص وتعلوه طاقية من المقرنص الجميل وباب المدخل تمت تكسيته بالنحاس المزخرف ويتم الوصول للمدخل عن طريق سلم مزدوج مكون من بضع درجات وهو يؤدى إلي ردهة مربعة سقفها به نقوش وأرضيتها من الرخام وبها بابان باب يؤدى إلى دهليز ومنه إلى صحن المسجد والآخر يؤدى إلى دهليز آخر يؤدى إلى حجرة مستطيلة .
وفي الطرف الجنوبي الشرقي للمسجد توجد المئذنة وهي من أروع وأجمل المآذن في العالم الإسلامي كله حيث أنها ضخمة ومربعة الشكل ولها 3 حطات كل منها مربع الشكل أكبرها الحطة السفلية وأصغرها الحطة العلوية وبين كل حطة وأخرى تشكيل من المقرنصات البديعة الشكل وتنتهي المئذنة من أعلى بتحفة معمارية فنية بديعة عبارة عن 5 رؤوس كمثرية الشكل يعلو كل منها هلال نحاسي ويبقى انا أن نذكر أن السلطان الغورى قد قام بتشييد مئذنة للجامع الأزهر تعتبر أيضا من المآذن الفريدة من نوعها فهي مئذنة دائرية رشيقة وتنتهي من أعلي برأسين Double Head Minaret كل منهما كمثرى الشكل وأسفل كل منهما جسم مخروطي ومحمولان علي دعامتين حجريتين بكل منهما فتحة معقودة من الثلاث جهات المكشوفة وتلك الرأس أيضا تعتبر تحفة فنية معمارية رائعة لم تتكرر في أى مئذنة أخرى .
وأخيرا يتبقى لنا أن نذكر أنه في شهر رجب عام 922 هجرية الموافق عام 1516م غزا السلطان العثماني سليم الأول بلاد الشام وضمها إلى دولته وعقد النية لغزو مصر فخرج له السلطان قنصوة الغورى بجيشه ولكنه تعرض للهزيمة في معركة مرج دابق وقتل في تلك المعركة وواصل العثمانيون زحفهم نحو مصر وكان قد تولي الحكم السلطان طومان باى خلفا للسلطان قنصوة الغورى والذى واجه العثمانيين في معركة الريدانية قرب العباسية الحالية في العام التالي مباشرة 1517م ولكنه تعرض للهزيمة وتم أسره وشنقه وتعليق جثته علي باب زويلة ولتنتهي صفحة دولة المماليك وتدخل مصر تحت حكم الدولة العثمانية لمدة 3 قرون تقريبا عانت فيهم من ويلات التخلف والانحدار والتردى في كل نواحي الحياة حتي بداية القرن التاسع عشر الميلادى حيث تولي حكم مصر محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة ولتبدأ مصر على يده صفحة جديدة من تاريخها تحقق فيها نهضة إقتصادية وتعليمية وعمرانية تعوض الكثير مما فاتها ولتلحق بركب المدنية الحديثة .